-A +A
ياسر سلامة
وزارة الصحة صحيح أنها تواجه فيروسا معروفا ومحددا، لكن ما زال يصاحبه بعض الغموض، وبمعنى آخر هي لا تعرف ــ وكما أكدت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي ) ــ طرق انتشار هذا الفيروس، وغير مؤكد علمياً على الأقل إلى الآن وبالقطع أن انتشار الفيروس كان بعد المخالطة الأكيدة أو القريبة أو المباشرة مع المرضى المصابين، وأنه لا ينتشر بالهواء كما تنتشر بعض الأوبئة، ناهيك عن أنه لم يعرف إلى الآن ولم يثبت علميا مصدر الفيروس ومنشأه الرئيسي، والجمل أو الخفاش جميعها مصادر للفيروس لم تؤكدها مراكز الأوبئة والأمراض المعدية العالمية، إلا أن هذا أيضا لا يجب أن يجعلنا ننفي أو نتجاهل الأصوات والمصادر التي تؤكد الارتباط الوثيق بين هذه الحيوانات وانتقال فيروس كورونا للإنسان، أو على الأقل دور الحيوانات في تمحور الفيروس وتطوره وظهوره بالشكل الجديد.
جميع النصائح التوعوية لاتقاء الإصابة بفيروس كورونا هي نفسها التي استخدمت مع إنفلونزا الخنازير وقبله سارس، وهي نفسها التي ستستخدم للوقاية من أي مرض يصيب الجهاز التنفسي، وفي نظري النظافة العامة وغسل اليدين وعدم ملامستهما للانف أو العين والحرص على تجنب ملامسة الأسطح العامة، والابتعاد عمن يعتقد أنه مصاب بكحة شديدة أو إنفلونزا أو أي إصابة تنفسية أو صدرية من المؤكد أن كل هذا يحمي من العدوى، وكل هذه الاحتياطات مطلوبة، ويجب أن تكون الأساس في تعاملنا، ومن باب الحفاظ على الصحة العامة وفي وجود وباء أو عدمه.

وإذا كنا إلى الآن لم نصل بالقطع إلى مصدر الفيروس ولا إلى بؤره الرئيسية التي خرج منها، فإن الطرق المستخدمة للقضاء عليه ستظل غير مكتملة، والبحث عن هذه البؤر الرئيسية للفيروس يجب أن تكون على رأس أولويات خطة القضاء على الوباء، ويوفر في هذا الباب كل ماهو مطلوب علميا وإداريا.
تابعت عبر موقع (CDC ) في أتلانتا، وهي مراكز التحكم في الأمراض والوقاية منها، أنشئت عام 1946 م لحماية الصحة العامة والسلامة وتعزيز الصحة في أمريكا، تابعت عبر موقعها كيفية التعامل مع الحالة الأولى المصابة بفيروس كورونا في أمريكا، والتي أدخلت في البداية لمستشفى في إنديانا، وأيضا الحالة الأخرى المصابة بعد إدخالها لمستشفى في فلوريدا لفحصها رغم عدم احتياجها لرعاية صحية كاملة، تابعت كيف كان تعامل إدارات الصحة العامة و السي دي سي وتحقيقاتهم المشتركة لكل من تعامل مع المصابين ومن اللحظة الأولى التي ثبتت فيها إصابة الأمريكي الأول بفيروس كورونا.
الأمريكان لم ينشغلوا بالصحافة والإعلام، وبفنون الإنكار، وطمأنة الناس، والهروب من مواجهة ( ميرس)، تحركوا من الدقيقة الأولى، تحققوا وفحصوا كل من اختلط بالمصاب الأول، شمل الفحص من سافر ووصل معه في الطائرة ومن ركب كذلك معه الأتوبيس، ووصلوا لكل من تعامل مع الحالة رقم واحد ومن الدقيقة الأولى التي وطأت فيها قدم المصاب مطار شيكاغو قادما من الرياض عن طريق لندن، ومن ثم استقل أتوبيس من شيكاغو إلى إنديانا، خط السير هذا لم يترك فيه شبر إلا وتم الوصول إليه والتحقق منه ومتابعته، ومن يفحصون ويتابعون ويطاردون خطوط السير التي مر منها واحتك فيها كل مصاب كورونا بالناس تجاوز مسحهم وتقصيهم العشرين ولاية، ما يعني أن عددهم بالمئات إن لم يكن بالآلاف، هؤلاء لا يوجد لديهم خوف من أي شي، وهمهم الأول والأخير الوصول بأسرع وقت ممكن للحالات المتوقع إصابتها، هؤلاء مجردون من العقد وحب الظهور و(المريسة) و(الأنا) والسعي لآخر رمق وراء الإدارة والكرسي.
هؤلاء المعنيون بملاحقة ومتابعة الحالات المصابة بكورونا أو تلك التي من المتوقع أنها مصابة ليسوا أطباء أو ممارسين صحيين بشهادات من جامعات كبيرة فقط، ولكنهم على قدر عالٍ من الوطنية، ويملكون حسا أمنيا قد يفوق حس من يعمل في أكبر جهاز مخابرات في العالم، وهو المطلوب في أطباء الصحة العامة للقضاء على كورونا.